التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية / 24-01-2014

نشرة دورية تصدر عن مرصد مراكز الابحاث

مركز الدراسات الأميركية والعربية

رئيس التحرير: د. منذر سليمان

نائب رئيس التحرير: جعفر الجعفري 

 24 -01-2014

a61c745f13f02a7113c77fb4a50b78b6.portrait

المقدمة: 

        ارخت موجة الصقيع القطبي ثقلها وتداعياتها على معظم مناطق الولايات المتحدة واثرت على اولوية المواضيع ذات الاهتمام لمراكز الابحاث الاميركية، تخللتها ايضا الاحتفالات بذكرى ولادة الزعيم الاسود المغدور مارتن لوثر كينغ.

        مفاوضات جنيف-2 السورية شكلت الثقل الاكبر من الاهتمامات الخارجية مع رصد شبه اجماع تشاؤمي بين مراكز الابحاث المختلفة لما قد تفضي اليه من نتائج مرجوة.

        سيتناول قسم التحليل “اعصار القطب الشمالي” وقسوة برودته وانعكاسات ذلك على سيرورة الحياة اليومية الاميركية، سيما وانها شهدت انقطاع متعدد لشبكات توليد الكهرباء. كما سيرصد التحليل بعض الاعمال الارهابية والتخريب التي طالت شبكات توليد الطاقة، والتي تتخذها الاجهزة الأمنية المختلفة ذريعة لبسط سيطرتها على كافة مرافق الحياة اليومية، مؤثرة عدم التطرق الى الاسباب الحقيقية لتردي اعمال البنية التحتية وعلى رأسها ندرة الاستثمار في وسائط التحديث وصيانة البنية وتطوير انتشارها.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

سورية

        اعرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن تشاؤمه من توصل مؤتمر جنيف-2 الى نتائج ملموسة سيما وان “معدلات الضغط (على الطرفين) تؤدي الى يسر التنبؤ بفشل المؤتمر حتى وان نجم عنه اعلان صوري ما او اتفاق معين .. ويمهد (المؤتمر) الاجواء لتوجيه انتقادات مشروعة للولايات المتحدة لتخلفها عن توفير دور قيادي.” واستدرك بالقول ان “الاخفاقات بمجملها لا تشكل ارضية تبرر تفادي عقد مؤتمر جنيف-2، حتى مع الادراك انها لا تقترب من تلبية كافة الاهداف المعلنة.”

        معهد واشنطن حذر بدوره مما اسماه “سعي (الرئيس) الاسد تجيير المحادثات لخدمة اغراضه،” وينبغي على الاطراف المتعددة وضع ضمانات تؤدي “لعدم اجراء انتخابات رئاسية في ظل سلطة (الرئيس) الاسد.” وحث الادارة الاميركية على “تركيز جهودها لانجاز مزيج من الخطوات الاستراتيجية في المديين القصير والمتوسط – خلال المفاوضات وما بعدها على السواء – بغية تعزيز فرص انجاز تسوية مقبولة.” كما طالب الادارة الاميركية “التأكيد على التوصل الى وقف محدود وغير مشروط لاطلاق النار لاجل توفير المعونات الانسانية للمناطق المحاصرة.”

        معهد المشروع الاميركي ايضا ابدى تشاؤمه من سير مفاوضات جنيف-2 “الامر الذي لم يفاجأ احدا” خاصة لتوقعات غير واقعية لقوى المعارضة مبنية على “فرضية تخلي (الرئيس الاسد) عن السلطة وهو في موقع المنتصر ميدانيا ..”

        معهد كارنيغي تميز بقدر من التفاؤل لمحادثات جنيف، مقارنة باقرانه من مراكز الابحاث الاخرى، منوها لعدد من العقبات التي تعترض مسار التفاوض. وحث كلا الوفدين الراعيين للمؤتمر، الاميركي والروسي، ممارسة نفوذهما لدى الاطراف المعنية “وتقديم العون المشترك لها بغية التوصل لحل سياسي حقيقي .. مما يستدعي بذلهما جهود سياسية من خلف الستار مع اللاعبين الاساسيين وفي وقت لاحق العمل سوية مع اطراف اقليمية اساسية،” في اشارة ضمنية لايران.

        معهد واشنطن تناول بدوره ما اسماه “دور قوات حزب الله وايران .. الفعال” لادارة الحرب الى جانب الدولة السورية بالزعم ان القوات المساندة “منخرطة في تقرير الوجهة الاستراتيجية لمسار الحرب وقيامها بتنفيذ عمليات قتالية .. سيما دخول قوات مشاة ذات تسليح خفيف جديرة بالثقة” ميدان المعارك. واضاف ان قوات مشتركة من حزب الله وقوات القدس “لعبت دورا محوريا في تدريب قوات نظامية وغير نظامية (للدولة السورية) على مهام مكافحة حرب العصابات وعمليات مداهمة مدينية .. الأمر الذي اتاح الفرصة للنظام تجنيد الآلاف من القوات غير النظامية لتعويض الخسائر البشرية التي تكبدتها قواته النظامية، وتعديل مهام القوات النظامية لتلائم مهام مكافحة حرب العصابات.”

الذكرى الثالثة للتحركات الشعبية

        يراهن معهد كارنيغي على “الاجيال الشابة والمقبلة” من الشباب العربي لاستكمال انجاز اهداف التحركات الشعبية، اذ “يعود لها الفضل في اطلاق التحركات الميدانية واثبتت مدى صلابة التزامها بمباديء الديموقراطية مقارنة مع اسلافها من كبار السن .. واستطاعت بلورة خطاب سياسي توضح ما تعارضه من مظاهر عوضا عن بلورة جملة اهداف ترمي لتحقيقها، وستستغرق جهودها بضع سنوات لبلوغها قدرة تنظيمية معتبرة وتوفير الامكانيات المادية المطلوبة للقطع التام مع الماضي.”

مصر

        حذر معهد بروكينغز من الجهود الساعية “لقمع الاخوان المسلمين” التي من شأنها “الدخول في مخاطرة تؤدي لمزيد من تطرف الجماعة وزعزعة استقرار مصر وعموم المنطقة.” وحثت الادارة الاميركية على التواصل مع العناصر “الاسلامية السلمية، والضغط على السلطات المصرية للسماح لمؤيدي الاخوان المشاركة في نشاطات سياسية مشروعة، وكذلك التعاون مع مصر لمواجهة تهديدات ارهابية حقيقية وتوسيع جهود مكافحة التطرف هناك.”

ايران

        تناول المجلس الاميركي للسياسة الخارجية “الخيارات العسكرية الاسرائيلية” في حال فشل جولة المفاوضات الحالية، قائلا “فيما يخص الحكومة الاسرائيلية، فان الخيارات الصعبة التي تواجه المجتمع الدولي تتمحور حول المديات المحددة التي ينبغي عليه بلوغها من اجل اعاقة بروز ايران مسلحة بالسلاح النووي،” وان تلك الخيارات “ارجئت – لكن ربما ليس لفترة طويلة.”

الانفاق العسكري الاميركي

        نوّه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الى دور الحرب الاميركية في العراق وافغانستان التي كان لها الفضل في صياغة “توجهات واولويات المؤسسات المرتبطة بمشتريات وزارة الدفاع،” وان الاستراتيجية الجديدة بالتوجه والاستدارة نحو آسيا “من شأنها ارساء البوصلة لنمط اعلى من الانفاقات الدفاعية العالمية.” واضاف ان التوقعات تشير الى مزيد من اهتمام القطاع الخاص بقائمة من 25 دولة من الدول التي تحظى بنصيب الاسد من اولويات البنتاغون، من بينها “جيبوتي وروسيا ومصر .. اذ تفوقت جيبوتي عليها جميعا.”

التحليل:

موجة الصقيع تكشف عيوب

البنيتة التحتية الاميركية لشبكتها الكهرباء

         “اغلقت بعض كبرى المحطات الكهربائية ابوابها نتيجة مداهمة موجة الصقيع .. واعلنت حالة الطواريء في بعض الولايات .. وتعطلت اعمال بعض مصافي النفط الحيوية.” كانت تلك نماذج لابرز عناوين الصحف والاخبار التلفزيونية.

عمليا، شُلت الحركة اليومية، وتوقفت الدراسة في المدارس وبعض الجامعات، وتضررت شبكة المواصلات البرية والسكك الحديدية والجوية، واقفلت الهيئات الحكومية، مما ادى الى تعطيل وتيرة حياة نحو 140 مليون مواطن اميركي اضافة الى زهاء 100 مليون يقطنون الشريط الجنوبي المأهول من كندا. ثم انتفخت خزائن الشركات الكبرى الموردة للطاقة تلقائيا وضاعفت اسعار امداد الطاقة الكهربائية لتصل الى 225 دولارا لساعة ميغاوات واحدة، اي ضعف السعر العادي في مناطق الساحل الشرقي، بينما وصلت ذروتها في اسواق منطقة الوسط الغربي، المطلة على البحيرات العظمى، نحو 1000 دولار للميغاوات.

        موجة الصقيع، او الدوامة القطبية، هي عبارة عن اعصار من رياح القطب المتجمد الشمالي هبت بحركة عكس عقارب الساعة كما هي العادة، اتسعت رقعته جنوبا بصورة غير مسبوقة حسبما افاد علماء الارصاد الجوية الذين اعتبروا الظاهرة شاذة وغير طبيعية في حدة برودتها، بلغت 50 درجة تحت الصفر في ولاية نورث داكوتا و60 درجة تحت الصفر في ماديسون بولاية ويسكونسن بعد حسبان معدل برودة الرياح.

        تداعيات الدوامة على شبكات توليد الطاقة الاميركية اثبتت هشاشة بناها التحتية وعدم قابليتها للتأقلم مع المستجدات المناخية، وربما اضحت عرضة سهلة لاعمال التخريب. عادة يكنى فصل الصيف بأنه الفيصل في الحكم على متانة وقدرة شبكات توليد الطاقة توفير ما يلزم لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات الرطوبة في المناطق المائية. وسرعان ما كشف فصل الشتاء عن قساوته ليزيل اللاصق اللامع عن ادعاءات متانة شبكات الطاقة، وشهدت الاسواق التجارية نقصا حادا في امدادات وقود التدفئة، مما حمل سلطات ولاية اوهايو اعلان حالة الطواريء وتعليق العمل بالقوانين المتعلقة بنقل امدادات الغاز الطبيعي لتسهيل وصوله الى المناطق الزراعية النائية.

        امدادات الغاز الطبيعي تأثرت ايضا بتقلبات السوق، كما يقال في الاوساط الاقتصادية، وتراوح سعر الوحدة الحرارية من 4 الى 40 دولارا، لكل ألف وحدة قياس معتمدة (قدم مكعب واحد من الغاز الطبيعي = 1000 وحدة حرارية بريطانية؛ كيلو وات كهرباء = 3412 وحدة حرارية بريطانية). على سبيل المثال، تشكل امدادات الغاز الطبيعي نحو 52% من مجمل احتياجات توليد الطاقة الكهربائية في منطقة نيويورك والولايات الشرقية المحاذية لها؛ وارتفعت اسعار الغاز على الفور لتصل الى زهاء 800 دولار للميغاوات.

        في البعد التقني لشبكات توليد الطاقة، اوقف العمل في بعض المحطات لاجراء اعمال الصيانة المعتادة لبضعة اسابيع قبيل هبوب الاعصار الجليدي، في معظم الساحل الشرقي من الولايات المتحدة، مما عادل تجميد نحو 36،600 ميغاوات واخراجها من الخدمة.

        بانت علامات الارهاق على مجمل شبكات توليد الكهرباء بسبب تنامي الطلب المتزايد على الطاقة، خاصة في ازمنة تقلبات الاحوال الجوية القاسية، من الاقصى للاقصى.  محولات التيار الكهربائي الضخمة عادة ما تتعرض للاحتراق خلال فصل الصيف بسبب ارتفاع معدلات الضغط مما يضطر المولدات الكهربائية لتعويض النقص بتشغيلها لاقصى طاقتها مما يرفع درجة حرارتها ايضا. كما ان موجات الجفاف في فصل الصيف تؤدي الى مزيد من التهتك في معدات محطات التوليد نظرا لنقص كميات المياه الضرورية للتبريد، وخاصة في محطات توليد الكهرباء من الطاقة النووية. كما يؤدي الجفاف الى اندلاع الحرائق في المناطق الحرشية مهددا خطوط شبكات الطاقة التي تمر بها.

        خطوط الكهرباء الممتدة لمساحات شاسعة تتعرض خلال فصل الشتاء الى ضغط متزايد ناجم عن ثقل كميات الثلوج التي عادة ما تطيح ببعض الخطوط ارضا وينجم عنها انقطاع متواصل في امداد الطاقة وارتفاع الاسعار تلقائيا.

شبكة هرمة لتوليد الكهرباء 

        بدأت خصخصة المرافق العامة، لا سيما شبكات توزيع الطاقة والمياه، منذ عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان باضطراد مما ادى الى تراجع الاشراف المركزي على آلية واولويات الاستثمار في تعزيز البنى التحتية وتقليص تعرضها للتقلبات الجوية، بل اضحت تعاني من اعراض الهرم والشيخوخة في معداتها واجراءات الصيانة المطلوبة. وتشير احصائيات وزارة الطاقة المركزية الى ارتفاع ملحوظ في انقطاع التيار الكهربائي خلال العقد الاول من القرن الحالي بلغ معدله نحو 1400%، مما ترك تداعياته على نحو 25 مليون مواطن او مشترك، مقارنة مع 2،5 مليون في السابق. تشير الوزارة ايضا الى شبه ثبات احداث انقطاع التيار الكهربائي الناجمة عن اسباب مغايرة للاسباب المناخية.

        انقطاع التيار والخدمات الكهربائية فضلا عن كونه مصدر ازعاج للمواطنين ورتابة الحياة اليومية، فان كلفته الاقتصادية تمتد لفترة اطول. الاحصائيات الرسمية تشير الى كلفة اجمالية تترواح بين 104-164 مليار دولار سنويا تتكبدها القطاعات الصناعية والالكترونية فقط جراء عدم انتظام امدادات الكهرباء، بل ان انقطاع التيار يعد العامل الاكبر المساهم في تعطيل المعاملات التجارية في عموم الولايات المتحدة؛ الجزء الاكبر من الكلفة تتحملها الولايات الاميركية الواقعة في السواحل الشرقية والغربية من البلاد.

        اضطرابات الامدادات قصيرة الأجل ايضا لها تداعياتها المالية ايضا، اذ بلغ تقدير كلفة انقطاع التيار لنحو 3 دقائق ما يعادل 2،107 دولارات لقطاع الصناعة التقنية، ونحو 1،477 دولارا لانقطاع التيار لثانية زمنية واحدة لذات القطاع. وعليه، تنكب الاجهزة الحكومية الرسمية وشركات الطاقة على تقصي امكانية استغلال الارهابيين لشبكات الطاقة وتعريضها لاضطرابات مستمرة مما قد يوقع اضرارا بالغة وطويلة الأجل في الاقتصاد الاميركي.

        يذكر ان الاجهزة القضائية الاميركية وجهت تهمة باستهداف شبكة توليد الطاقة في ولاية اركنساس مؤخرا لمواطن يبلغ من العمر 37 عاما، يدعى جيسون وودرينغ، لشبهة قيامه بعدة اعمال تخريب امتدت لبضعة اشهر استهدفت خطوط التوتر العالي ومحطة توليد فرعية، اسفرت عن اضطراب الامدادات الكهربائية لنحو 100،000 مشترك.

        واوضح احد خبراء الطاقة في تلك المسألة انه “في الآونة التي اعربت فيها صناعة توليد الطاقة الكهربائية عن قلقها من هجمات الكترونية تستهدف شبكاتها المتعددة، فان تعدد الهجمات في (ولاية) اركنساس يدل على ان الشبكة تبقى عرضة للاستهداف المباشر واعمال التخريب ربما بنفس الوتيرة الاولى.” واضاف “كان يتعين علينا توقع حدوث مثل تلك الاعمال التخريبية عاجلا ام آجلا. انطوى الأمر على معجزة بان الاعمال لم تحدث في الماضي او تترك تداعياتها على قطاع اوسع من المواطنين. بل ان مصدر الازعاج هو اكتشاف مدى تعرض الشبكة لاعمال تخريبية بدائية – احدها استخدام البعض لجرارات زراعية لهدم وازالة اعمدة تحمل خطوط الطاقة. هناك العديد من الافراد المرشحين لارتكاب جرائم مماثلة.”

        حوادث اركنساس لم تكن معزولة او استئنائية، اذ تعرضت محطة توليد فرعية تابعة لشركة المحيط الهاديء للغاز والكهرباء، مقرها مدينة سان فرانسيسكو، لهجوم بالاسلحة النارية في شهر نيسان 2013، وصفت الاجهزة الامنية الفاعلين بانهم “قناصة غاية في الاحتراف.” وتوالت الهجمات وادت لاعتقال شخصين يعتقد ان لهما ضلع بحادث تعرض محطة فرعية اخرى بالقرب من مدينة سان هوزيه، كاليفورنيا، في ساعات الفجر الاولى يوم 16 نيسان. واوضح النائب السابق لرئيس الشركة لعمليات التحويل، مارك جونسون، ان الفاعلين اطلقوا نحو 150 طلقة نارية اصابت 11 شبكة لانابيب التبريد الكهربائي، من مجموع 12 شبكة، مما اسفر عن خسارة 52،000 غالون من زيوت التبريد. واردف جونسون ان اطلاق النار سبقه قطع الفاعلين للالياف الضوئية (فايبر) مدفونة تحت الارض تبعد نحو كيلومتر عن جدار المحطة، مما احدث ارتباك وانقطاع خدمات الطواريء الهاتفية في المنطقة. “لم يكن اولئك ثمة هواة يتدربون على اطلاق النار .. بل شكل بروفة تدريبية” لهجمات مستقبلية.

        استغرقت اعمال الصيانة واصلاح العطل نحو شهر كامل لاعادة العمل بالمحطة الى سابق عهدها، بغض النظر عن عدم تعرض الامدادات الكهربائية  للانقطاع طيلة الفترة في تلك المنطقة.

        لا يغيب عن ذهن الاجهزة الأمنية ومسؤولي شبكات توليد الطاقة اتخاذ تدابير احتياطية مكثفة تحاكي شن هجمات منسقة قد تقدم عليها دول اجنبية او مجموعات ارهابية متأصلة. تردد الاجهزة الامنية الاميركية ان الصين استطاعت “اختراق البنية التحتية الاميركية،” وتعرضت 5 شركات نفط وغاز اميركية عملاقة “لهجمات من قبل الصين،” عام 2011 اطلق عليها عملية “تنين الليل،” بعد التثبت من تمدد جهود الاختراق الى ما يناهز 10 من كبريات شركات الطاقة.

        يعتقد مسؤولو الاجهزة الامنية ان جهود الصين لم تمضِ الى نهاياتها بل شكلت رادعا خلفيا لها لاعتقادها ان تعرض الاسواق المصرفية ونظم المواصلات الاميركية الى الاضطراب سيترك تداعياته على الاقتصاد الصيني عينه، اذ قد تؤثر على وتيرة الصادرات الصينية للولايات المتحدة وتهديد قيمة الاستثمارات الصينية الهائلة في مرافق الاقتصاد الاميركي المختلفة.

        واستدركت الاجهزة الأمنية بالقول انها استطاعت رصد هجمات محتملة مصدرها 12 دولة، احداها الصين، تقوم بتطوير قدراتها العلمية في الحرب الالكترونية، التي يخشى منها بصورة اشد خطورة سيما وان المعرفة العلمية شاملة ومنتشرة ولا تقبع خلف حدود اي دولة بعينها.

        الهيئات النافذة في الاجهزة الامنية الاميركية اعربت مرارا عن قلقها من ان ايران ربما ستكون مصدر التهديد المقبل لاجهزة البنية التحتية “وليس الصين .. نظرا لرغبتها الجامحة في الرد والانتقام من فيروس ستكسنت Stuxnet،” اميركي المنشأ بالتعاون مع “اسرائيل،” ضد منشآتها النووية. ايضا، تضيف الاجهزة الاميركية، ان استثمارات ايران في الولايات المتحدة لا تجاري نظيرتها الصين؛ ولا داعي للقلق من ايران في الفترة الآنية سيما وانها تعاني من ثغرات في توفر المهارات التقنية المطلوبة.

        على الشق الآخر من معادلة الاختراقات الالكترونية، استطاعت ايران الاطاحة بنحو 30،000 جهاز كمبيوتر تابعة لمنشآت شركة النفط السعودية الاميركية، ارامكو، نهاية الصيف الماضي، اخرجتها من الخدمة واستبدلت محتوياتها بعرض علم اميركي تلتهمه النيران. ربما لم يكن القصد تعطيل العمل لفترة طويلة بقدر ما كان ايصال رسالة سياسية للمعنيين تؤشر على قدرة وعزم ايران بالرد وقتما تشاء. اذ اوضح نائب رئيس شركة ارامكو لشؤون التخطيط، عبدالله السعدان، بأن ” الهجوم الرئيسي رمى لوقف تدفق امدادات النفط والغاز للاسواق المحلية والعالمية ونحمد الله انهم لم يحققوا اهدافهم.”

        ايران منكبة على تطوير قدراتها العلمية وامكانياتها التقنية في مجال الحرب الالكترونية، الأمر الذي يؤكده الاميركيون وغيرهم مشيرين ايضا الى تنامي عدد الهجمات في مجالات شتى.

        التصدي لجهود الاختراق للمؤسسات المنتجة والموردة للطاقة هي من اختصاص وزارة الأمن الداخلي الاميركية، التي اعربت عن قلقها من “ارتفاع ملحوظ في معدل الهجمات،” حسبما افادت في احد تقاريرها. وقالت انها استطاعت رصد نحو 198 هجوم ضد منشآت البنية التحتية لعام 2012، مما يعادل زيادة بنسبة 52% عن احداث مماثلة للعام السابق.

        كما اطلقت الوزارة قلقها لتنامي احداث وعوارض مجهولة المصدر التي تضاعفت بنسبة 35 مرة خلال العقد الاول من القرن الحالي. بل تقدمت الهجمات على حوادث انقطاع التيار الكهربائي العائدة لاسباب مناخية. وبما ان الاجهزة غير متيقنة من مصدر تلك العوارض، فان ضلوع عناصر ارهابية في تلك الاحداث امر لا يمكن استبعاده.

        وشرعت الاجهزة الأمنية الاميركية المختصة بمكافحة الارهاب التدريب على اجراءات وقائية تحاكي حوادث تخريب كبرى لقطاع الطاقة وشبكة الكهرباء الاميركية. واستضافت لقاءا موسعا في شهر تشرين الثاني الماضي ضم بضعة آلاف من المهندسين الكهربائيين واختصاصيين في مجال الأمن الالكتروني ومسؤولي شركات امداد الطاقة يعززهم عدد من ضباط الأمن في مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، اجتمعوا على مدار يومين للتدريب على عدة سيناريوهات تحاكي طبيعة الرد المطلوب لهجمات معادية تستهدف تعطيل او تدمير شبكة توزيع الكهرباء الاميركية؛ منها مواجهة محاولات لزرع البرامج الخبيثة، الفايروسات، في نظم واجهزة التحكم، وتفجيرات تطال المولدات ومحطات توزيع الطاقة الفرعية وتدمير عدد كبير من الاعمدة الناقلة لخطوط التوتر العالي. كما شملت الاحتمالات المفترضة هجمات معادية ضد قوات الشرطة وفرق الطواريء التي قد تستنفر اطقمها لتقديم العون للمتضررين.

        اسفرت السيناريوهات الافتراضية عن انقطاع التيار الكهربائي وتأثر عشرات ملايين المواطنين من الظلام، واستطاعت الاجهزة المعنية استعادة السيطرة واصلاح الشبكة خلال يومين من الزمن.

        باستطاعتنا القول ان التحديات الماثلة امام شبكة توزيع الكهرباء جذرها الاساسي يكمن في اقدميتها وتخلفها عن التحديث واجراءات التطوير المطلوبة، مع عدم التقليل او الاستخفاف بعامل الهجمات الارهابية والتخريبية. فالشبكات المتعددة تتراجع قدرتها طردا في التعامل مع انقطاع التيار الكهربائي الناجم عن اسباب مناخية، التي كانت السبب وراء حادث من ضمن خمسة حوادث انقطاع منذ عقدين من الزمن؛ اما الآن فان الظروف المناخية اضحت تتسبب بنحو 75% من حوادث انقطاع التيار الكهربائي.

        يدرك المواطن الاميركي انه قد يتعرض لانقطاع الكهرباء بوتيرة متنامية بتأثير البنية التحتية وعدم قدرتها على مواكبة تزايد الطلب على الطاقة، اكبر بكثير من احتمال تعرضها لهجوم بفايروس ايراني.ِ

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

الموقع: www.thinktanksmonitor.com

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com

تعليقات