جيمي كارتر أوباما

Portrait of Dominique Moisi

دومينيك مويسي هو مستشار أول في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية  وأستاذ في ‘معهد الدراسات السياسية في باريس (ساينس بو). وهو مؤلف  الجغرافيا السياسية للعاطفة: كيف تعيد ثقافات الخوف والذل، والامل تشكيل العالم.

بروجكت سانديكيت
PROJECT SYNDICATE
Sep. 22, 2013 سبتمبر

باريس ــ عندما طُلِب من جوزيف ستالين أن يكون حذراً في التعامل مع الفاتيكان، أجاب ساخراً بمقولته الشهيرة: “كم عدد الفرق العسكرية لدى البابا؟” وفي درس معاصر من دروس الواقعية السياسية، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مؤخراً سعادته بحسبان البابا فرانسيس حليفاً في معارضة التدخل العسكري الأميركي في سوريا. وبتقديم نفسه بوصفه الدعامة الأخيرة لاحترام القانون الدولي، عَرَض بوتن دروساً في الأخلاق على الولايات المتحدة ــ وعلى وجه التحديد الرئيس باراك أوباما.

This illustration is by Pedro Molina and comes from <a href="http://www.newsart.com">NewsArt.com</a>, and is the property of the NewsArt organization and of its artist. Reproducing this image is a violation of copyright law.
Illustration by Pedro Molina

ومع الاتفاق الأميركي الروسي، الذي تم التوقيع عليه في جنيف في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول، والذي يقضي بوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية، عادت روسيا إلى المسرح العالمي ــ ولم يكن هذا بسبب قيمتها المزعجة فحسب. ولكن هل من المحتمل أن يتلقى بوتن ذات يوم، كمثل أوباما من قبله، جائزة نوبل للسلام؟ ألم يدخل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي اقترح هذه الصفقة، معبد الدبلوماسيين الروس العظماء كخليفة لكارل نيسيلرود، المبعوث الروسي إلى كونجرس فيينا في الفترة 1814-1815 وإلى كونجرس باريس في عام 1856؟

لا شك أن أداء الدبلوماسية الروسية كان حسناً للغاية مؤخرا، ولكنها لا تستند إلى أسباب جدارتها فحسب. فالدبلوماسيون الروس ما كانوا ليكتسبوا الكثير من الأرض لولا ضعف السياسة الخارجية الأميركية ــ ضحية سلوك أوباما المتذبذب وعداء الأميركيين لأي مغامرة عسكرية جديدة، ولو كان نطاقها محدودا ــ والانقسامات الداخلية العميقة في أوروبا.

أجل، إن روسيا تخرج الآن من حالة المذلة التي لحقت بها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي. وبوصفها وريثة لتقليد إمبراطوري ساهم في تشكيل هويتها الوطنية، تستأنف روسيا الآن في الشرق الأوسط دورها ومكانتها على نحو أكثر اتساقاً مع دورها ومكانتها منذ عهد القياصرة وإلى الحقبة السوفييتية.

ولكن روسيا لا تضاهي قوة الولايات المتحدة العسكرية أو قوة الصين الاقتصادية، وقوتها الناعمة تكاد تكون معدومة. وإذا كان بوسع روسيا أن تستفز أميركا ــ سواء بمنح حق اللجوء السياسي إلى “الخائن” إدوارد سنودن على سبيل المثال، أو بمقاومة الجهود الدبلوماسية الغربية في الشرق الأوسط ــ فإن هذا لا يعني أنها أصبحت قوة عظمى مرة أخرى، بل لأن أميركا ببساطة لم تعد القوة العظمى التي كانت عليها ذات يوم.

والواقع أن الأزمة السورية أوضحت هذه الحقيقة تماما. فقد أظهرت الدبلوماسية الأميركية قدراً كبيراً من السذاجة وقلة الخبرة. والطريقة التي يعالج بها أوباما الأزمة السورية تستحضر على نحو متزايد معالجة الرئيس السابق جيمي كارتر لأزمة الرهائن الإيرانية قبل ثلاثة وثلاثين عاما، وخاصة العملية الفاشلة في عام 1980 لإنقاذ الأميركيين المختطفين بعد الاستيلاء على السفارة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 1979. ثم مرة أخرى، كانت الغلبة للتردد والتذبذب على الحسم والحزم، الأمر الذي أسهم في فشل المهمة.

كان كارتر مهندساً متواضعا، في حين كان أوباما محامياً كاريزميا. غير أنهما يشتركان رغم هذا في عدم القدرة عل الحسم في التعامل مع الشؤون العالمية. فكان كارتر يواجه صعوبة في الاختيار بين الخط العضلي الذي تمثل في مستشاره لشؤون الأمن القومي زبيجينيو بريجنسكي، والنهج الأكثر اعتدالاً الذي تمثل في وزير خارجيته سايروس فانس.

وعلى النقيض من ذلك، لا توجد اختلافات جوهرية بين أقرب مستشاري السياسة الخارجية لأوباما ــ سوزان رايس مستشارة الأمن القومي، وسامانثا باور التي خلفت رايس كسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ووزير الخارجية جون كيري. وبدلاً من ذلك فإن أوباما ذاته هو الذي يبدو متردداً على نحو مستمر. والانقسامات ليست بين مستشاريه، بل داخل ذهنه شخصيا.

الواقع أن أوباما باعتباره محامياً بارعاً يزن بين الإيجابيات والسلبيات، مدركاً أنه من المستحيل ألا يفعل أي شيء في الأزمة السورية غير البقاء كارهاً للقفز إلى أي مغامرة خارجية من شأنها أن تصرف الانتباه عن أجندته للإصلاح الداخلي. والأمر الأكثر أهمية أنه يفتقر كما يبدو إلى الرؤية الاستراتيجية المتماسكة البعيدة الأمد للدور الأميركي في العالم. ولا تشكل فكرة “المحور الآسيوي” الرائجة حاليا، ولا فكرة “إعادة ضبط العلاقات مع روسيا” قبل أربع سنوات، أي بداية لخطة كبرى في هذا الصدد.

وفي مثل هذا السياق، فإن عودة السياسة الواقعية العالمية سوف تفيد روسيا وتضر بالولايات المتحدة، برغم المزايا العديدة التي قد تعود على أميركا من حيث القوة الصارمة والقوة الناعمة. فقد نتذكر الاتفاق بشأن الأسلحة الكيميائية السورية الذي تم بين روسيا والولايات المتحدة ذات يوم باعتباره إنجازاً مذهلاً في مجال الحد من الأسلحة. ولكن من المرجح أن يُنظَر إلى هذا الاتفاق باعتباره خدعة كبرى ــ فلا نتذكره لأنه ساعد الشعب السوري، بل بوصفه علامة على ضعف الولايات المتحدة المتنامي على الصعيد الدولي.

ومن هذا المنطلق فإن هذا الاتفاق لن يضر بسمعة أميركا فحسب، بل وسوف يعمل أيضاً على تقويض الاستقرار العالمي. فالضعف ضعف، سواء كان في موسكو أو بكين أو طهران أو بيونج يانج.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

 http://www.project-syndicate.org/

تعليقات