تقرير مجلس الاستخبارات القومي الأميركي 2012 “الاتجاهات العالمية 2030: عوالم بديلة”الحلقة السابعة

المحتوى
الفصل الثاني
• مغير اللعبة الرابع: اتساع نطاق الاضطرابات الإقليمية -الجزء الأول
الشرق الأوسط: على منعطف
1.هل يذهب الإسلام السياسي إلى الاعتدال فيما يتولى السلطة؟
2.هل تستطيع الحكومات الانتقالية منع اندلاع الحروب الأهلية؟
3. هل تستطيع دول الشرق الأوسط إصلاح اقتصاداتها وركوب موجة العولمة؟
4. كيف ستنظر إيران إلى النفوذ الإقليمي؟
5. هل يمكن التوصل إلى تسوية إسرائيلية-فلسطينية، والتي تحسن آفاق استقرار المنطقة؟
6. هل تبقى العربية السعودية وملكيات الخليج السنية الأخرى –باستثناء البحرين- حصينة أمام حركات الاحتجاج المهددة للأنظمة، والتي قامت بتحويل العالم العربي؟
جنوب آسيا: صدمات في الأفق
ثمة ثلاثة سيناريوهات لوجهات المنطقة
03/02/2013
e9875edd526485ca7e09cb430ce59b05.portrait (1)
الشباب ووسائل الاتصال الاجتماعي كانت محركات
التحولات الثورية الأخيرة في المنطقة العربية

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يقصد هذا التقرير إلى تحريض التفكير في هذه الطائفة المتنوعة والمتسارعة من التغييرات الجيو-سياسية والاقتصادية والتقنية التي تقوم بتحويل عالمنا اليوم، وإلى تأمل تجلياتها المستقبلية خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين القادمة.
(بدأنا) هذا التقرير بتحديد ما نرى أنه الاتجاهات الكبرى الأكثر أهمية في عالمنا المتغير –تمكين الفرد؛ توزُّع القوة العالمية وانتقالها إلى شبكات متعددة الوجوه وانسيابها إلى الشرق والجنوب؛ والأنماط الديمغرافية التي ستكون أبرزها شيخوخة السكان وحدوث انفجار في أعداد المنتمين إلى الطبقات الوسطى؛ والتحديات التي يشكلها الطلب على الموارد الطبيعية. وهذه الاتجاهات الكبرى تمكن معرفتها، وهي تشير في حد ذاتها إلى عالم متغيّر، لكن العالم يمكن أن يُحوّل نفسه بطرق مختلفة جذرياً. وباختصار: إننا نتجه إلى مياه لا يمكن سبر أغوارها.
ونعتقد بأن هذه الاتجاهات الكبرى المذكورة تتفاعل مع ستة متغيرات، أو “مغيرات للعبة” (1) التي سوف تحدد أي نوع من العالم المختلف سوف نَعمُر في العام 2030. وفيما يلي، سنجري حفرية في مغيرات اللعبة الستة الرئيسة وتأثيراتها المحتملة:
• اقتصاد عالمي عرضة للأزمات: هل ستفضي الاختلافات بين اللاعبين ذوي المصالح الاقتصادية المختلفة والتقلبات العالمية إلى توقف اقتصادي عالمي شامل وانهيار؟ أم أن تطوير مراكز تنمية متعدد سيفضي إلى زيادة مرونة النظام الاقتصادي العالمي؟
• فجوة الحكم: هل ستكون الحكومات والمؤسسات الدولية الحالية قادرة على التكيف بسرعة كافية لتسخير التغيير واحتوائه بدلاً من أن يطغى هو عليها؟
• احتمال تصاعد الصراعات: هل ستفضي التغيرات المتسارعة والتحولات في مراكز القوة إلى خلق المزيد من الصراعات بين الدول وفي داخلها؟
• اتساع نطاق الاضطرابات الإقليمية: هل سيعمل الجيَشان الإقليمي، خاصة في مناطق الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا، على التسبب بحالة من عدم الاستقرار العالمي؟
• تأثير التقنيات الجديدة: هل سيتم إحداث اختراقات تكنولوجية في الوقت المناسب لإعطاء دفعة للإنتاجية الاقتصادية وحل المشكلات الناجمة عن الضغط على المصادر الطبيعية والتغير المناخي، بالإضافة إلى الأمراض المزمنة، وشيخوخة السكان، والتمدن السريع؟
• دور الولايات المتحدة: هل ستتمكن الولايات المتحدة من العمل مع شركاء جدد على إعادة ترتيب النظام الدولي، مجترحة أدواراً جديدة في نظام عالمي متوسع؟

الفصل الثاني
• مغير اللعبة الرابع: اتساع نطاق الاضطرابات الإقليمية -الجزء الأول
سوف تنطوي الديناميات الإقليمة في العديد من المسارح المختلفة خلال العقدين القادمين على احتمال تدفق الأزمات وامتدادها، وبما يخلق حالة من عدم الاستقرار العالمي. ويرجح أن يكون الشرق الأوسط وجنوب آسيا المنطقتان اللتان ستفرزان الاضطرابات الأوسع نطاقاً. ويبدو عدد الصراعات المحتملة في هاتين المنطقتين في صعود. ولن يكون من السهل احتواء الكثير من هذه الصراعات، بمجرد أن تبدأ، وسوف تخلف آثاراً عالمية. وسوف تثبت الديناميات المتغيرة في مناطق أخرى أنها مهمة بنفس المقدار بالنسبة للأمن العالمي. وتشكل آسيا التي تتجه نحو تعددية الأقطاب باطراد وتفتقر إلى وجود إطار أمن إقليمي راسخ وقادر على التحكم بالتواترات الصاعدة وتهدئتها، تهديداً كونياً مهماً؛ وستلحق آسيا غير مستقرة ضرراً واسع النطاق بالاقتصاد العالمي. كما ستكون أوروبا أكثر تمركزاً على نفسها وأقل قدرة على تهدئة أزمات المناطق المجاورة. وسوف تبقى بلدان جنوب الصحارى الإفريقية وأميركا الوسطى والكاريبي هشة أيضاً أمام احتمالات فشل الدولة في الفترة حتى العام 2030، وحيث توفر ملاذات آمنة لكل من الشبكات الإجرامية والإرهابية العالمية، وللمتمردين المحليين على حد سواء.
الشرق الأوسط: على منعطف
بحلول العام 2030، سيكون الشرق الأوسط منطقة شديدة الاختلاف عما هي الآن، لكن الاحتمالات تنطوي على سلسلة واسعة من الإمكانيات التي تتراوح بين الاتسام بتنمية وتطور ضعيفين، وبين معايشة الاضطراب المزمن واحتمالات نشوب الصراعات الإقليمية. على المستوى الديمغرافي، سوف يخلي واقع الانتفاخ في فئة الشباب –وهم قوة محركة في الربيع العربي الأخير- مكانه لتركيبة سكان تتجه إلى الشيخوخة باطراد، فيما تبدأ التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لانخفاض معدلات الخصوبة بالتكشف. وفي وقت تشرع فيه التقنيات الجديدة بتزويد العالم بمصادر أخرى للنفط والغاز، سوف يحتاج اقتصاد المنطقة للذهاب إلى مزيد من التنوع باطراد من أجل الاستمرار في اتجاه النمو. ومثل القوى الصاعدة الأخرى حول العالم، يمكن أن تشهد دول الشرق الأوسط ذات الكثافة السكانية العالية تحسُّناً في نفوذها الإقليمي والعالمي.
سوف يتعلق مستقبل الشرق الأوسط بشكل أساسي على التطورات السياسية في المنطقة. وفي حال تمكن نظام الجمهورية الإسلامية من الاحتفاظ بالسلطة في إيران، واستطاع حيازة أسلحة نووية، فسوف يواجه الشرق الأوسط مستقبلاً غير مستقر إلى حد كبير. ويمكن لاحتمال انهيار آل سعود في العربية السعودية أن ينشر الفوضى في اقتصاد المنطقة، كما يمكن أن يؤدي صعود حكومة إسلامية متطرفة في مصر إلى مفاقمة التوترات الإقليمية على العديد من الجبهات. كما يمكن أن يفضي الانقسام على أساس خطوط إثنية ودينية في العراق وسورية إلى تفكيك الحدود الراهنة. وعلى الناحية الأخرى، يمكن أن يفضي ظهور حكومات معتدلة وديمقراطية في هذه البلدان، أو إبرام اتفاق يشكل اختراقاً لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، إلى إنتاج تداعيات إيجابية كبيرة للمنطقة.
قادتنا حواراتنا مع الخبراء إلى التعرف على ست مسائل رئيسية ستحدد مستقبل المنطقة، والتي نناقشها فيما يلي:
1.هل يذهب الإسلام السياسي إلى الاعتدال فيما يتولى السلطة؟
بعد البداية الخاطئة التي مثلها انتخاب جبهة الخلاص الإسلامي في الجزائر قبل أكثر من عشرين عاماً، يكتسب الإسلام السياسي مزيداً من التمكين في العالم السني اليوم. ومن حزب العدالة والتنمية في تركيا، إلى حزب الحرية والعدالة في مصر، والنهضة في تونس، وحماس في غزة، وإمكانية تحقيق انتصارات إسلامية في كل من ليبيا وسورية، يتغير المشهد في منطقة الشرق الأوسط بشكل عميق. وقد استجابت الأحزاب السياسية، مثل تلك التي في مصر، بإطلاق دعوات من أجل توسيع شبكة الأمان لأدنى الطبقة الوسطى؛ وإضافة آلاف الوظائف إلى القطاع العام؛ والإبقاء على الدعم الحكومي للسلع الغذائية والطاقة. لكن هذه السياسات ليست قابلة للاستدامة. وسوف تصبح الأحزاب الإسلامية الحاكمة في المستقبل أكثر توجهاً إلى تبني دينامية السوق، وتمكين مشاريع “الحرس الجديد” من المبادرين الأصغر سناً من الإخوان المسلمين، والآخرين الذين يستطيعون المساعدة في تنمية الاقتصاد.
مع مرور الوقت، يمكن أن ترجح البراغماتية السياسية على الأيديولوجيا، مدعومة بمجتمع مدني متنام، والذي سيشرع في إنتاج كادر جديد من القادة البراغماتيين، ورواد الأعمال، والقادة الاجتماعيين –وهو الأمر الذي كانت الأنظمة السلطوية قد خنقته باستمرار.
من شبه المؤكد أن تتحور الديمقراطية الإسلامية وتتحول إلى مجموعة متنوعة من الأشكال السياسية. سوف تكون الأحزاب الإسلامية التونسية مختلفة واحدها عن الأخريات، لكنها ستهدف جميعاً إلى تأسيس شرعيتها في هذه الحقبة ما-بعد-الاستبدادية. وفي سورية ما بعد الأسد، من المرجح أن يتولى سنّي حضَري السلطة في اتئلاف يضم جماعة الإخوان المسلمين، والأقليات الدينية، والدروز، والأكراد وآخرين. وقبل أن يتولى حافظ الأسد السلطة قبل أكثر من أربعين سنة مضت، حكمت الأحزاب الحضَرية السنية دمشق بحكومات متكررة وغير مستقرة. وربما يكون الوضع في سورية بصدد العودة إلى شكل الستينيات. وفي العراق، تعرض الحكومة مسبقاً علامات على العودة إلى التنوع الطائفي. وفي هذه الحالة، سيرغب الشيعة تقاسم السلطة مع العرب السنيين والأكراد.
في حال استمر الفساد والبطالة المزمنين، أو إذا شعرت شريحة عريضة من العاملين الفقراء بأن حياتهم لم تتحسن مع انتخاب الحكومات الديمقراطية، فإنهم ربما يختارون التحول إلى قادة سياسيين يعرضون منهجاً أكثر تطرفاً. وربما يكون للإسلامويين المتشددين قبول شعبي أكبر نظراً لالتزامهم بالمبادئ الدينية المحافظة، التي تقدم بديلاً متمايزاً بوضوح عن الرأسمالية والديمقراطية الغربيتين.
2.هل تستطيع الحكومات الانتقالية منع اندلاع الحروب الأهلية؟
سيكون عدم الاستقرار المزمن سمة للمنطقة، بسبب تنامي ضعف الدولة، وصعود الطائفية، والإسلام، والعشائرية. وسيكون التحدي قوياً بشكل خاص في بلدان مثل العراق، وليبيا، واليمن وسورية، حيث غالباً ما كانت التوترات الطائفية تمور تحت السطح بينما تقوم الأنظمة الأوتوقراطية باحتواء جماعات الأقليات وفرض تدابير قاسية للإبقاء على العداوات العرقية تحت السيطرة. وفي حال نجم عراق وسورية أكثر تشظياً، فإن قيام دولة كردستان لن يكون أمراً مستحيلاً. أما اليمن، فإنه ربما ينقسم مرة أخرى -ما دام قد فعل ذلك من قبل. ووفق أي سيناريو، يرجح أن يكون اليمن مصدر قلق أمني في ظل وجود حكومة مركزية ضعيفة، واستمرار الفقر، والبطالة، وبنية سكانية شابة سترتفع أعدادها من 28 مليون نسمة اليوم إلى 50 مليون في العام 2025. ويمكن أن تصبح البحرين أيضاً موضعاً لتنامي العداء السني-الشيعي، والذي يمكن أن يكون عنصراً لنزع الاستقرار في منطقة الخليج.
مع الوقت، يمكن أن يعمل العنف المستمر على تقويض التأييد للحكم الديمقراطي، وأن يفضي إلى ظهور دكتاتوريين أفراداً أقوياء –بما يدفع بهذه الدول بعيداً عن الديمقراطية الليبرالية. وعلى المستوى الإقليمي، لا يرجح أن تلعب الحكومات الضعيفة الغارقة في العنف المحلي والحروب الأهلية دوراً قوياً، تاركة للقوى غير العربية، خاصة كلاً من تركيا وإيران وإسرائيل، أن تكون اللاعبين الرئيسيين.
3. هل تستطيع دول الشرق الأوسط إصلاح اقتصاداتها وركوب موجة العولمة؟
تشهد المنطقة انخفاضاً في معدلات الخصوبة، لكن الانتفاخ في شريحة الشباب سوف يبقى حتى العام 2030. وفي الوقت نفسه، ربما تواجه التركيبة العمرية المتجهة إلى الشيخوخة بحلول العام 2030 أزمة في الرعاية الصحية، في ظل غياب نظام رعاية أفضل شروطاً. والآن، يذهب ما نسبته 2 % فقط من الاستثمار العالمي الخارجي المباشر إلى منطقة الشرق الأوسط، وثمة القليل فيها لجذب الاستثمار الخارجي المباشر -فيما عدا قطاعات الطاقة، والسياحة، والعقار. كما تبقى الكثير من دول الشرق الأوسط أيضاً متخلفة كثيراً في مجال التكنولوجيا، وتبقى المنطقة واحدة من المناطق الأقل اندماجاً في قطاعات التجارة والتمويل. ويواجه شريك الشرق الأوسط التجاري التقليدي –أوروبا- تباطؤاً في النمو، على الرغم من أن منطقة جنوب الصحارى الإفريقية التي تشهد توسعاً في الاقتصاد يمكن أن تعرض فرصاً متزايدة.
تبقى دول مجلس التعاون الخليجي الأغنى في وضع جيد للمساعدة: فقد بنت الثروة السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي أصولاً كبيرة الحجم في السنوات الأخيرة، ويرجح أن يتم استثمار حصة متزايدة من ثروة البترودولارات في الأسواق المحلية والإقليمية، بما في ذلك أسواق مصر، وليبيا وتونس. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بتحويل المزيد من نفطها إلى منتجات مكررة من البتروكيماويات بغية خلق سلع ذات قيمة مضافة. ويشكل الخليج منطقة جذب للاستثمارات من آسيا، وأوروبا والأماكن الأخرى.
ومع ذلك، يمكن أن تواجه دول الخليج تحديات كبيرة في حال ازدادت الإمدادات النفطية العالمية بشكل كبير جراء استخراج غاز الصخر الزيتي ورواسب البترول، مما سيخفض أسعار الطاقة المرتفعة. وقد استمر سعر التعادل للنفط السعودي بالارتفاع من 67 دولاراً للبرميل إلى سعر حكومي أخير أعلى يعادل 100 دولار للبرميل، وهو ما تضمن ارتفاعاً في بند مصاريف الموازنة، والذي يمكن أن يتجاوز وتيرة الارتفاعات في أسعار النفط. وبدون حدوث زيادات في أسعار النفط العالمية، وبحيث يمكن أن تخفض الاستهلاك المحلي المتصاعد، ستكون العربية السعودية على الطريق لأن تصبح مستورداً صافياً للنفط بحلول العالم 2037.
4. كيف ستنظر إيران إلى النفوذ الإقليمي؟
يرتبط نفوذ إيران بتطلعاتها النووية. ويعتقد عدد من محاورينا بأن إيران ستقف خطوة قبل تطوير سلاح نووي –لكنها ستحتفظ بالقدرة على تطوير مثل ذلك السلاح. وضمن هذا السيناريو، سيكون انهيار نظام عدم الانتشار النووي حتمياً، حيث يتم جرّ العربية السعودية إلى محاولة الحصول على أسلحة نووية أو قدرات نووية من الباكستان. وربما ترد تركيا على وجود إيران نووية بالسعي إلى بناء قدراتها النووية الخاصة، أو الاعتماد بدلاً من ذلك على الدرع الدفاعي لحلف الناتو. وسيكون من شبه المؤكد أن تشرع الإمارات العربية المتحدة، ومصر، وربما الأردن، في إنشاء برامجها النووية الخاصة في حقل الطاقة كطريقة لتغطية المخاطر، والتي تمكّنها من المضيّ قدماً في حال أصبحت إيران والعربية السعودية وآخرون في المنطقة قوى نووية معلنة. وإذا ما حدث ذلك، فإن المنطقة ستكون في حالة صراع دائم. وسوف تزداد العداوات السنية الشيعية، والعربية الفارسية، وتفيض لتخلق حالة عدم استقرار بعيدة المدى خارج المنطقة.
ومن السيناريوهات الأخرى، أن يصبح النظام الإيراني تحت ضغط متصاعد من جماهيره الشعبية التي يمكن أن ترغب في الحصول على المكاسب الاقتصادية بدلاً من الأسلحة النووية، وربما لا تريد دفع الثمن الذي تفرضه العزلة الدولية. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يسقط النظام بفعل الصراعات الداخلية في أوساط النخبة وتصاعد الاحتجاجات الشعبية. ووفق هذا السيناريو الذي تركز فيه طهران أكثر على التحديث الاقتصادي، ربما تظهر إيران ديمقراطية أكثر ولاء للغرب –وبالتالي منطقة أكثر استقراراً.
5. هل يمكن التوصل إلى تسوية إسرائيلية-فلسطينية، والتي تحسن آفاق استقرار المنطقة؟
في الوطن، تواجه إسرائيل انقسامات سياسية واجتماعية متزايدة بين أولئك الذين ما يزالون يعتنقون رؤية ترجع وراء إلى إنشائها في العام 1948 كجمهورية ليبرالية متعددة الطوائف، وبين أولئك الذين يريدون إسرائيل تمتاز بتزايد الوزن الديمغرافي للحاريديم المحافظين دينياً وحركة المستوطنين. ويعتقد بعض محاورينا بأن هذه الانقسامات ربما تطفو على السطح قبل العام 2030. سوف تبقى إسرائيل أقوى قوة عسكرية في المنطقة، لكنها ستواجه مخاطر متزايدة من مواجهة أعمال الحرب قليلة الكثافة، بالإضافة إلى أي تهديد نووي قد يأتي من إيران. ومع ذلك، يمكن أن يعمل الرأي العام العربي على تضييق مساحة المناورة الإسرائيلية، في حالت أرادت إسرائيل تجنب تصاعد الصراع مع خصومها العرب.
سوف تكون لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني تداعيات دراماتيكية على المنطقة خلال العقدين القادمين. فبالنسبة لإسرائيل، يمكن أن يفتح حل دائم للصراع الباب أمامها لإقامة علاقات إقليمية لا يمكن تصورها اليوم. كما يمكن لإنهاء الصراع الفلسطيني أن يشكل نكسة استراتيجية لإيران ومعسكر المقاومة الذي يضمها، وأن يخفّض مع مرور الوقت من مستوى الدعم الشعبي للجماعات المتشددة، مثل حزب الله وحماس. ومن دون تحقيق نوع ما من الحل، ستصبح إسرائيل مستغرقة في محاولة السيطرة على سكان فلسطينيين تتزايد أعدادهم باطراد، ويتمتعون بحقوق سياسية محدودة، وبوجود غزة المضطربة الشموس في الجوار.
رأى الكثيرون من محاورينا دولة فلسطينية تنجم من الإنهاك العربي-الإسرائيلي، وعدم رغبة الإسرائيليين والفلسطينيين بالانخراط في صراع بلا نهاية. ولن تكون قضايا مثل “حق العودة”، ونزع السلاح والقدس قد حُلّت بشكل كامل بحلول العام 2030، ولن تكون هناك نهاية كاملة للصراع. وسيمر الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية عبر سلسلة من الإجراءات غير الرسمية المستقلة المعروفة باسم “أحادية الجانب المنسقة”، والتي تفضي إلى إقامة الدولة بالتدريج. وبينما تتحرك حماس مبتعدة عن سورية وإيران إلى المجموعة السنية العربية، سوف تزداد إمكانية تحقيق المصالحة بين السلطة الفلسطينية في رام الله وحماس في غزة. وستكون حدود فلسطين تقريباً على أساس خطوط 1967، مع تعديلات أو تبادلات في الأراضي على طول الخط الأخضر، لكن القضايا الأخرى سوف تبقى بلا حل.
6. هل تبقى العربية السعودية وملكيات الخليج السنية الأخرى –باستثناء البحرين- حصينة أمام حركات الاحتجاج المهددة للأنظمة، والتي قامت بتحويل العالم العربي؟
سواء تطورت قدرة امتلاك احتياطي من النفط في المناطق الأخرى أم لا، يمكن لحدوث اضطراب سياسي في المملكة العربية السعودية أن ينتج من عدم اليقين السياسي والاقتصادي واسع النطاق. وفي داخل البلد، ربما تتصارع الجماعات المتنافسة على السلطة، بما فيها الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين، والمتطرفون الإسلاميون الراديكاليون، والعلمانيون، واللاعبون الشيعة. وكما هو الحال في مصر، يمكن أن يكون أي انتقال سياسي مستقبلي في السعودية عملية فوضوية ومعقدة. وربما تجد أنظمة ملكية سنية أخرى نفسها تحت الضغط من أجل تبني إصلاحات سياسية بعيدة المدى، أو أن تواجه انتفاضات مشابهة في بلدانها الخاصة. وفي لبنان، والمناطق الفلسطينية، والعراق، وأماكن أخرى حيث استخدم السعوديون نفوذهم لدعم حلفاء سنيين، ربما تضعف الجماعات التي اعتمدت طويلاً على مثل هذا الدعم بقدر يعتد به، ربما لمصلحة الشيعة والمنافسين الموالين لإيران.
إذا تمكنت ملَكيات مجلس التعاون الخليجي من شق طريقها للخروج من الربيع العربي بنجاح، ربما يكون أكبر المستفيدين إقليمياً هي الملكيات الأضعف في المنطقة. وسوف تؤمن مثل هذه الحصيلة أيضاً نفوذ مجلس التعاون الخليجي الإقليمي، مزودة دول الخليج برافعة اقتصادية مستمرة في الدول العربية التي تمر بمرحلة انتقالية، بما فيها مصر، وربما سورية. وأخيراً، سوف يحفظ سيناريو بقاء الوضع الراهن، وربما يعمق دينامية الحرب الباردة بين دول الخليج وإيران، خاصة فيما تقترب إيران من الوصول إلى العتبة النووية.
جنوب آسيا: صدمات في الأفق
شأنها شأن الشرق الأوسط، سوف تواجه منطقة جنوب آسيا سلسلة من الصدمات الداخلية والخارجية خلال السنوات الخمس عشرة إلى العشرين المقبلة. وسوف تشكل التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ، بما فيها التوتر المائي، بالإضافة إلى انخفاض النمو الاقتصادي، وارتفاع أسعار الغذاء، والعجوزات في الطاقة، تحديات كبيرة للحكم في كل من الباكستان وأفغانستان. وتبقى انتفاخات شريحة الشباب في كل من أفغانستان والباكستان كبيرة –تشبه في حجمها ما يوجد في الكثير من الدول الإفريقية- وهو ما ينذر، عندما يقترن باقتصادات بطيئة النمو، باحتمال حدوث اضطرابات اجتماعية متزايدة. وتبقى الهند في موقف أفضل، مستفيدة من معدلات النمو الأعلى، لكن نيودلهي ستواجه تحدي العثور على وظائف لسكانها الشباب الكثيرين. وتشكل كل من قضايا اللامساواة، والافتقار إلى البنية التحتية، وأوجة القصور التعليمية، مشكلات رئيسية في الهند. كما تواجه الهند أيضاً تمرداً ريفياً متعنتاً –جماعة ناكساليت- والذي يشكل تحدياً أمنياً داخلياً. ومن شبه المؤكد أن يقوم التمدن السريع لكل من الهند والباكستان بتحويل مشهديهما السياسيين من السيطرة الأكثر تقليدية للنخب الريفية إلى شكل آخر يشكله تجمع متعاظم من الفقراء الحضريين والطبقة المتوسطة.
لطالما كان للجوار تأثير هائل على التطورات الداخلية في كافة دول المنطقة، على نحو فاقم الإحساس بانعدام الأمن وتسبب في زيادة الإنفاق العسكري. وتقصد ترسانة الباكستان النووية الهائلة وسريعة النمو، بالإضافة إلى مبدأ “استخدم أولاً” الذي تعتنقه، إلى ردع وموازنة أفضليات الهند العسكرية التقليدية. ومن جهتها، تخشى الهند التعرض لهجوم إرهابي ثان على غرار هجوم مومبي، والذي يشنه متشددون تدعمهم الباكستان. ويمكن لحادث رئيسي من هذا القبيل، والذي يخلف الكثير من الخسائر البشرية وتظهر فيه البصمات الباكستانية، أن يضع حكومة هندية ضعيفة تحت ضغط هائل حتى تردّ بالقوة، مع المخاطرة المصاحبة بحدوث سوء حسابات نووية. ويمكن أن تصبح أفغانستان موضع تركيز المنافسة الهندية-الباكستانية المستقبلية، خاصة بعد سحب وخفض أعداد القوات الأميركية وقوات الناتو هناك بعد العام 2014. ويريد كل من البلدين تجنب منح الآخر ميزة استراتجية، مما يجعل التعاون الإقليمي أمراً صعباً. وفي إطار أوسع، سوف تعمل الأهداف الاستراتيجية المتعارضة، وانعدام الثقة المستحكم، واستراتيجيات التحوط لكافة جيران أفغانستان –وليس الهند والباكستان فقط- على تعقيد تطوير إطار عمل أمني إقليمي قوي وجامع.
تقوم الصين بازدياد بتعميق مخاوف الهند من التهديد أيضاً، خاصة بسبب دور الصين في دعم الباكستان، وإنما أكثر ما يكون بسبب حضور الصين العالمي والإقليمي المتعاظم. وتخشى النخب الهندية من إمكانية توسع الفجوة الاقتصادية بين الصين والهند في حال لم يتراجع النمو الهندي الحالي عن بطئه، وفي حال لم تضع الهند مزيداً من التركيز على التنمية الاقتصادية والتقنية السريعة. ويمكن أن تفضي المنافسة المتكاثفة بين الهند والصين إلى نشوب صراع أكبر بين القوى العظمى، لا يكون مقتصراً على المسرح الجنوب آسيوي، والذي يجر إليه الولايات المتحدة وآخرين.

ثمة ثلاثة سيناريوهات لوجهات المنطقة، والتي تتضمن ما يلي:
في سيناريو “تخطّي الأزمة،” سيكون تحقيق نمو اقتصادي مستدام في الباكستان، قائم على التطبيع التدريجي للتجارة مع هند صاعدة، عاملاً حاسماً. وسوف تنتج بيئة اقتصادية محسّنة مزيداً من الفرص لدخول الشباب في قوة العمل، بما يقلل من جاذبية التشدد، ويساعد في احتواء انتشار العنف الإسلامي. كما ستكون التجارة الداخل-إقليمية أيضاً عاملاً مهماً في بناء الثقة بين الهند والباكستان، بما يغير بالتدريج مفاهيم التهديد ويزود القطاعات بمصالح خاصة رئيسية في استمرار التعاون. وتماماً كما قام المحرك الاقتصادي الصيني بتحويل علاقات الصين مع جيرانها منذ بداية التسعينيات، فإنه يمكن لمحرك اقتصادي هندي قوي أن يرسي كذلك أسساً جديدة للازدهار والتعاون الإقليمي في جنوب آسيا. ويمكن أن تتحول الباكستان خلال عقود إلى اقتصاد مستقر نسبياً، بحيث لا يعود في حاجة إلى المساعدة الخارجية والوصاية والإرشاد من صندوق النقد الدولي. وسوف تدوم شكوك الهند في أوساط الدوائر العسكرية؛ وحتى مع ذلك، فإنه يمكن للبلدين المسلحين نووياً العثور على سبل للتعايش من أجل تجنب تعريض الروابط الاقتصادية المتنامية بينهما للخطر.
لكن الكثيرين من محاورينا لم يروا أن هذا السيناريو سيكون المرجح. وسيكون من الأمور الحاسمة في تحقق هذا السيناريو، إقامة حكومة مدنية أكثر قدرة في الباكستان، وتحسين طبيعة الحكم، مثل وضع سياسات ضريبية واستثمارية أفضل، والتي تقوم بتحفيز وخلق صناعات جديدة، ووظائف، وتخصيص المزيد من الموارد لتأسيس تعليم عصري. وربما يعمل انهيار قد يحث في أفغانستان المجاورة على تعطيل أي أجندة يديرها المدنيون من هذا القبيل، بما يعزز المخاوف الأمنية ويسهم في إعادة التخندق. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تخدم سياسات هندية تنتهج سبل فتح التجارة وتسهيل منح تأشيرات الدخول مع جارتها كتدابير تعويضية، والتي تساعد في بناء قاعدة شعبية انتخابية باكستانية تسعى من أجل الإصلاح.
وفق سيناريو “إسلامستان”، سوف يتعاظم نفوذ الإسلاميين الراديكاليين في الباكستان وطالبان في أفغانستان. في الباكستان، ستستمر حكومة ضعيفة في خسران الأرضية لصالح الإسلاميين على مدى العقد المقبل. وستشمل الإشارات على تعاظم نفوذ الإسلاميين الراديكاليين المزيد من الاعتناق واسع النطاق للتأويلات المتطرفة للشريعة، وانتشار القواعد القائمة على أساس التوجه الجهادي في المناطق المستقرة، وحدوث سيطرة أكبر للإسلاميين على الحكومات المحلية. وسوف تنشأ علاقة تكافلية بين الجيش والإسلاميين. وبينما تصبح الباكستان أكثر أسلمة، سيصبح الجيش أكثر تعاطفاً مع القضية الإسلامية. وفي نهاية المطاف، يرجح أن يقوم الجيش بتسليم السيطرة على الأراضي لمتمردين إسلاميين، وسيكون أكثر رغبة في الاشتراك في مفاوضات مع هؤلاء الإسلاميين.
في سيناريو “انهيار”، سوف تأتي كل العوامل الهدامة التي تحوم في المنطقة –مثل الحكم الضعيف، والأعداد الكبيرة من الشباب العاطلين عن العمل، وأزمات الماء والغذاء- إلى المقدمة، وتتجلى في شكل تمزق اجتماعي وسياسي في كل من الباكستان وأفغانستان. وستُترك الهند وهي تحاول الدفاع عن نفسها ضد تدفق التشدد إليها، والتوتر المتصاعد في كشمير، والتطرف المحتمل لمواطنيها المسلمين. وبدلاً من المساعدة في الارتقاء بجيرانها في سيناريو “تخطّي الأزمة”، سوف يقوم هؤلاء الجيران بجر الهند إلى أسفل، بما يهدد قدرتها على لعب دور أكثر عالمية.
هوامش
(1)مغيرات اللعبة game changers: مغير اللعبة، هو شخص أو فكرة تغير القواعد المقبولة والعمليات والاستراتيجيات وإدارة المهمات. أو هو عنصر أو مكون مُنتج حديثاً، والذي يغير وضعاً أو نشاطاً قائماً بطريقة يعتد بها.

2 responses to “تقرير مجلس الاستخبارات القومي الأميركي 2012 “الاتجاهات العالمية 2030: عوالم بديلة”الحلقة السابعة

  1. التنبيهات: محور§§ _ الوكالات الاستخبارية الأميركية ترى عالما مختلفا في العام 2030 §§ | ستراتيجي أنفو·

  2. التنبيهات: محور§§ الوكالات الاستخبارية الأميركية ترى عالما مختلفا في العام 2030 §§ | ستراتيجي أنفو·

تعليقات