التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية‏17 /كانون الثاني-جانفي/‏ 2014

نشرة دورية تصدر عن مرصد مراكز الابحاث

مركز الدراسات الأميركية والعربية

رئيس التحرير: د. منذر سليمان

نائب رئيس التحرير: جعفر الجعفري 

17 /كانون الثاني-جانفي/‏ 2014 

a61c745f13f02a7113c77fb4a50b78b6.portrait

المقدمة: 

         تنوعت مواضيع الاهتمام لمراكز الابحاث، لا سيما في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، نورد اهمها لاحقا.

         المسألة الاوسع التي تواجهها الادارة الاميركية هي مدى تحدي السلطة التشريعية للحد من صلاحياتها الدستورية في مستويين: قرار شن الحروب وصلاحية تعيين الرئيس لاشخاص في مناصب عليا دون الرجوع لمجلس الشيوخ، كما ينص الدستور، مستغلة فترة غياب انعقاده بسبب فترات الاعياد.

         اتسعت دائرة الصراع بين السلطتين مما حدى التوجه للمحكمة العليا للفصل فيما بينهما، والتي لم تبدِ مؤشرا ولو طفيفا على نيتها التورط في مسألة تراها سياسية الطابع وبعيدة كل البعد عن النصوص الدستورية والقانونية الصرفة.

         سيتناول قسم التحليل تلك المسألة في محاولة للالمام بكافة جوانبها وتداعياتها على المشهد الاميركي الداخلي، خاصة في ظل ترقب الانتخابات النصفية التي ربما ستقلب موازين القوى بين الحزبين، اذ من المرجح فوز الحزب الجمهوري بأغلبية مجلسي الكونغرس، مما سيقوض مساعي الرئيس اوباما لانجاز برامجه المتعددة والتأثير سلبا على ارثه الرئاسي.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

آفاق السياسة الخارجية الاميركية

         دشنت مؤسسة هاريتاج العام الجديد باصدار دراسة شملت اقتراحاتها لجملة اهداف ينبغي على الكونغرس السعي لتحقيقها، ذات ابعاد تخص الأمن القومي. في شأن ايران، اوضحت انه يتعين على المشرِّعين “تخصيص استثمارات فعالة ومناسبة لتطوير نظم بالغة الأهمية للدفاع الصاروخي في ظل اجواء عالمية تتسم بانتشار القدرات الصاروخية. اذ يرصد تعاون بين ايران وكوريا الشمالية للحصول على صواريخ باليستية تستطيع اصابة اي هدف داخل الولايات المتحدة في فترة زمنية لا تتجاوز 33 دقيقة. وعليه، ينبغي على الولايات المتحدة مواصلة السعي للحصول على افضل ما يمكنها من معدات لتعزيز قدرات دفاعياتها الصاروخية، من ضمنها تحديث نظام ايجيس للدفاع الصاروخي، ونظام دفاعات ارضية متوسطة المدى، وصواريخ اعتراضية لاستخدامات الفضاء الخارجي.”

         واضافت المؤسسة ان احدى مهام الولايات المتحدة تتمحور حول تعزيز دور حلفائها في الشرق الاوسط، سيما وان “ادارة الرئيس اوباما سارعت للانخراط مع خصوم مثل ايران وسورية، (واهملت) الحلفاء الدائمين مثل اسرائيل ومصر والسعودية اللواتي تملكتهم مشاعر الغضب لما اعتبروه تراجع واشنطن عن الاهتمام بمصالحهم الأمنية الاساسية.” واردفت انه يتعين على واشنطن “تعليق اهمية واولوية اعلى لدعم الحرية، خاصة الحرية الاقتصادية .. التي من شأنها الاسهام في النمو الاقتصادي وايجاد فرص عمل لتشغيل جيل من الناشئة خابت آماله في مستقبل افضل .. وتنمية طبقة متوسطة اوسع وذات تأثير اكبر، التي تشكل بمجملها اللبنات الاساسية لبنية ديموقراطية مستقرة.”

         من ناحية مغايرة، تناول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “مشاعر وادراك (زعماء) الشرق الاوسط للسياسة الاميركية .. اذ ان القادة العرب لا يثقون باستراتيجية اميركية حيال ايران .. وانهم متضررون من العلاقة الوثيقة الخاصة بين الولايات المتحدة واسرائيل بينما تبقي الاخيرة على مسافة ابتعادها من الفلسطينيين.” واردف انه بصرف النظر عن نواياهم فان “الدول العربية اعربت عن استعدادها تجرع شكاويها، اذ انها بحاجة لحماية الولايات المتحدة من المخاطر التي تهددها .. نظرا لان معظم مديات التوتر بين اميركا وحلفائها العرب تنطوي على خلافات استراتيجية اساسية.”

سورية

         اشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الى الجهود الاميركية لتدمير الترسانة الكيميائية السورية والتي “يعود لها الفضل في تدمير كافة القدرات الانتاجية السورية من ذخائر غير معبأة .. والتي سيتم نقلها على متن سفن نرويجية ودانماركية وجهتها المقبلة احدى موانيء ايطاليا كي يتم تفريغها وتحميلها على متن سفن اميركية،” التي ستقوم بعمليات التخلص من سميتها خلال 45 الى 60 يوما، قبل معالجتها مرة اخرى وتحييد مفعولها بالكامل.

مصر

         الاستفتاء على الدستور المصري وما سيتلوه من خطوات كان من نصيب معهد كارنيغي الذي اعرب عن قلقه من تحول هدف السلطات الراهنة عن “استعادة المسار الديموقراطي واستبداله بأكبر عدد ممكن من دعم المواطنين للاوضاع بعد عزل (الرئيس) مرسي.” فالسلطات فضلت “الحشود الضخمة .. وتتطلع لتجاوزها 18 مليونا من الناخبين في الدورة السابقة ومشاركة اعلى من 64% للاستفتاء الذي نظمه مرسي عام 2012.” في سياق متصل، اشار استطلاع للرأي اجراه معهد زغبي الى “استمرار حالة الاستقطاب” في الشارع المصري “مما حدا بالرئيس المؤقت عدلي منصور حث المصريين على ابهار العالم بمشاركتهم العالية.”

لبنان

         استئناف المحكمة الخاصة للبنان اعمالها كان محطة اهتمام معهد كارنيغي مشيرا الى انها “اسهمت في استمرار الحياة السياسية .. (والمحافظة) على مبدأ براءة المتهم لحين اثبات ادانته. فالمحكمة اضحت الصندوق الذي بداخله تكمن العقبة العسيرة لعملية الاغتيال، وبها توفرت الاجواء للفصل بين الشأن السياسي والقضائي.”

تركيا

         اوضح صندوق جيرمان مارشال   ان الازمة الداخلية التركية “تخفي وراءها ما تتطلبه من بذل جهود عالية لترميم الصدع، خاصة مع حلفائها في دول الناتو وايضا مع المستثمرين الدوليين.” وعتب الصندوق على قرار انقرة “شراء نظام دفاع صاروخي ارض-جو صيني المنشأ وتفضيله على رديفه مما يتوفر في الترسانة الاميركية والاوروبية ..” كما اعرب عن ضيق ذرعه من “الاشارات المتكررة لرئيس الوزراء اردوغان ومسؤولين آخرين للمؤامرات الخارجية، والايادي الخفية، وجماعات الضغط المصرفية، وقوى غامضة اخرى واتهامها بتأجيج ازمات تركيا الداخلية والخارجية، والتي ادت الى رعب وفزع الجهات المعنية على ضفتي المحيط الاطلسي.”

افغانستان

         اعرب معهد ويلسون عن قلقه مما ينتظر افغانستان من تطورات مستقبلية والتي “ستتم صياغتها بناء على اعتبارات سياسية داخلية في منطقة شرق آسيا التي تبدي الولايات المتحدة قليل من القدرة او الرغبة للتأثير على المجريات.” وحث المعهد السلطات الافغانية على تركيز جهودها لاتمام عملية الانتخابات الرئاسية بنجاح “التي من شأنها توليد القناعة لدى الشعب الافغاني بأن حكومته (المنتخبة) هي البديل الافضل لحكم طالبان،” خاصة عند نجاحها في تأمين الخدمات الاساسية للعامة.

ايران

         الخلاف المستدام بين ايران والولايات المتحدة حول المسألة السورية شكل باعث قلق لمعهد بروكينغز، في ظل سيناريو افتراضي يتخيل فيه “تكبد نظام الاسد سلسلة تراجعات اساسية تضعف موقفه، وتوقف روسيا عن توفير الامدادات المطلوبة مقابل مكاسب مالية لما سيعود عليها من فوائد ناجمة عن شراء دول الخليج اسلحة روسية …” وذهب في هذا السينارية الرغبوي بالقول ان اوضاع الاطراف الخليجية والولايات المتحدة، في ظل السيناريو المتخيل “تحسنت باضطراد .. وخسارة سورية للامدادات العسكرية الروسية ادت الى عدم قدرة النظام تحمل اعباء معدلات الاستنزاف المتنامية.”

التحليل:

القضاء الاميركي يتدخل للفصل في خلاف دستوري بين اوباما والكونغرس

         تجدد الجدل والاستقطاب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام السياسي الاميركي بتسليط الضوء على فعالية الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس، وسعي دؤوب لكلا الطرفين تحدي الآخر. الدستور الاميركي منذ ولادته تضمن نصوصا بدت صريحة وواضحة بآفاق السلطات، خشية تغلب احداهما على الاخرى بفعل التجاذبات والتطورات الزمنية.

         للرئيس الاميركي، مثلا، صلاحية تعيين ما يراه مناسبا في السلك القضائي والديبلوماسي ولقادة عسكريين واعضاء حكومته والمناصب الادنى في السلطة التنفيذية شريطة تقدمه “لاستشارة وموافقة مجلس الشيوخ.” واخذت النصوص الاولى بعين الاعتبار الفوارق الزمنية بين تواجد اعضاء السلطتين الفعلي في مقر القرار، سيما وان اعضاء مجلس الشيوخ يذهبون في عطل سنوية متعددة تدوم بضعة أشهر عائدين الى دوائرهم الانتخابية، بينما يمكث الرئيس في موقعه يمارس صلاحياته. واعتبرت هذه الخاصية مدخلا للسماح للرئيس تعيين الشخصيات التي يراها في مناصب محددة اثناء العُطل المتكررة لمجلس الشيوخ درءا للفراغ الاداري لا اكثر.

         في الظروف العادية تستدعي ترشيحات الرئيس مصادقة او مباركة من مجلس الشيوخ. اما في غياب انعقاد المجلس قد يقدم الرئيس على تعيينه كفاءات مشروطة لفترة زمنية محددة الى حين “موافقة” مجلس الشيوخ لاحقا. المبرر الاساسي للنص الدستوري كان بحكم القيود المفروضة على حركة الممثلين السياسيين في الزمن الغابر التي كانت تتم مشيا على الاقدام او عربات تجرها الخيول، قبل دخول عصر المواصلات السريعة كالقطارات والطائرات.

         سعى كلا الطرفين في السلطتين استغلال النص لاسناد وجهة نظره ضد الآخر على مر العقود، وتفاقم الصراع منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي، في عهد الرئيس رونالد ريغان الذي استغل الصلاحية افضل استغلال لتعيين اعوانه في مواقع حساسة خلال فترة اجازة مجلس الشيوخ؛ وفعلها ايضا بكثافة الرئيس السابق جورج بوش الابن، وجاء الدور الآن على الرئيس باراك اوباما. وادى تعيينه لثلاثة مرشحين خلال عطلة اعياد الميلاد، في 4 كانون الثاني 2012، “لمجلس علاقات العمل القومي،” ومرشح رابع لهيئة حماية اموال المستهلكين، الى ردة فعل قاسية من خصومه الجمهوريين ونذروا انفسهم لمقاضاته. واصدرت محكمة الاستئناف العليا قرارها آنذاك ببطلان صلاحية التعيينات التي تمت “خلال فترة انعقاد مجلس الشيوخ عوضا عن اجازته” المقررة، وفق النصوص الدستورية.

         استمعت المحكمة العليا مطلع الاسبوع الى مرافعة للطرفين تمحورت حول “تعريف العطلة او استراحة مجلس الشيوخ،” ومن يحددها، واعادت المسألة الى السلطتين وحثهما معا في التوصل الى ارضية فهم مشتركة، مما اشار الى عدم رغبة القضاء الدخول في دهاليز سياسية خارج نطاقه، ومن جانب آخر تفادي المحكمة العليا تغليب وجهة نظر اي من الفريقين.

         اللافت ان المحكمة العليا لم يسبق لها النظر بالمادة الدستورية للتعيينات التنفيذية التي تتم خارج انعقاد دورة مجلس الشيوخ. البت في المسألة سيترك تداعيات طويلة الاجل على حالة التوازن الدستوري الراهنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. اذ ان الحكم ضد السلطة التنفيذية سيقوض نطاق صلاحيات الرئيس المعمول بها لما ينوف عن قرنين من الزمن؛ والحكم لصالح الرئاسة سيخل بالتوازنات الراهنة ويعزز صلاحيات الرئيس امام السلطة التشريعية.

         وصف الكساندر هاميلتون، احد المؤسسين وعضو لجنة صياغة الدستور، التعيينات خارج جلسات الانعقاد العادية بانها ثمة “وسيلة تعيين مكملة .. او مساعدة” لسيرورة العمل في الحالات التي يتعذر فيها التعيين وفق الشروط العادية. واضاف موضحا “تحصر صلاحية التعيين العادية بمنصب الرئاسة ومجلس الشيوخ سويا، وعليه لا يجوز تطبيقها الا في حال انعقاد مجلس الشيوخ، بيد انه من غير اللائق الزام المجلس عينه بالانعقاد المستدام للبت في تعيينات المرشحين عند توفر وظائف شاغرة خلال العطل، مما قد يكون ضروريا اتخاذ قرار بملئها دون تأخير.”

         استند معظم الرؤساء الى الثغرات الكامنة في غياهب تلك الصياغة لتعيين اعوانهم واقرانهم خاصة في الحالات التي يملك حزب الخصوم اغلبية مجلس الشيوخ.

         وسريعا تنبه الرئيس جيمس منرو، عام 1832، الى تسخير النص لتوسيع نطاق صلاحياته عبر وزير العدل آنذاك، ويليام ويرت، الذي اعتبر جواز ملأ الرئيس لمكان شاغر خلال فترة عطلة مجلس الشيوخ ان لم يستطع القيام به من قبل؛ وهي القاعدة التي استند اليها الرؤساء المتعاقبون منذ ذلك التاريخ، لنحو 190 عاما.

         وانتفض مجلس الشيوخ في عام 1863 للحفاظ على حيز صلاحياته بعدم التعامل مع التعيينات التي تمت في غيابه لحين مصادقته عليها بعد التئام جلساته. وانتقل بندول الحركة ثانية الى الناحية الاخرى عام 1940 عندما اقر مجلس الشيوخ بدستورية الاجراء المتخذ في عهد الرئيس منرو ووزير العدل ويرت.

         جرت العادة استغلال النص من قبل الرؤساء المتعاقبين لتطويع الأمر بما يخدم برامجهم الخاصة، يشهد على ذلك الرؤساء ثيودور روزفلت، ورونالد ريغان وجورج بوش الابن الذي طبقه زهاء 20 مرة خلال سنتين من بدء ولايته الرئاسية الاولى. كما استخدمه الرئيس اوباما ايضا في ولايته الرئاسية الاولى بالرغم من سيطرة حزبه الديموقراطي على اغلبية مقاعد مجلس الشيوخ.

         لدى مجلس الشيوخ عدد من الخيارات باستطاعته اللجوء اليها لحرمان الرئيس من دستورية تعييناته. اولها الاستمرار في دورة الانعقاد الرسمي – وهو ما لجأ اليه رئيس المجلس الديموقراطي هاري ريد في نهاية عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن؛ واعلانه عن عقد جلسات صورية متكررة كل ثلاثة ايام مدركا في الوقت عينه غياب معظم اعضاء المجلس وتواجدهم في دوائرهم الانتخابية كي يحرم الرئيس بوش من المضي في تعييناته.

         مع العلم ان مجلس الشيوخ يخضع لسيطرة الحزب الديموقراطي راهنا، فان مجلس النواب لديه بعض الصلاحيات الاخرى من شانها افشال التعيينات خارج انعقاد جلسات المجلس. منها، ما تنص عليه الفقرة الخامسة من المادة الاولى للدستور بانه لا يجوز لأي من مجلسي الكونغرس الانفضاض ورفع جلساته لمدة تفوق ثلاثة أيام دون الحصول على موافقة المجلس الرديف. وعليه، لم يصادق مجلس النواب على رفع جلسات مجلس الشيوخ لمدة الثلاثة ايام المنصوص عليها في نهاية عام 2012، مما يفسر دعوات رئيس مجلس الشيوخ، هاري ريد، المتكررة لانعقاد مجلسه امتثالا للقيود الدستورية.

         في حال تعيينات الرئيس اوباما المشار اليها، اوضح انه اقدم عليها لادراكه نصوص صلاحياته المستندة الى ان انعقاد جلسات مجلس الشيوخ الصورية، كل ثلاثة ايام، لا يمكن التعويل عليها اذ انها وباقرار المجلس عينه لم تكن تعقد لرغبة الاعضاء البت في الاجراءات العادية. واوضح مستشار البيت الابيض للشؤون القانونية ان “باستطاعة الكونغرس حرمان الرئيس من اتخاذ اجراءات لتعيين (ما يريده من شخصيات) خلال فترة عطلته عبر آلية بقائه منعقدا في حالة مستمرة والبت في الترشيحات المقدمة، ليس بوسعه المضي بذلك عبر آلية جلسات انعقاد صورية خلال تلك المدة.”

         لم يرق التفسير للاعضاء الجمهوريين فحسب، بل اعرب بعض الاعضاء الديموقراطيين عن امتعاضهم من القفز على صلاحياتهم، ووجه السيناتور الديموقراطي ماكس بوكاس، عن ولاية مونتانا، نقدا للبيت الابيض للتعيينات التي اقدم عليها خلال العطلة دون الحصول على موافقة من الكونغرس. وقال “موافقة مجلس الشيوخ على ترشيحات الرئيس هي آلية ضرورية منصوص عليها دستوريا وترمي الى تعزيز اجراءات المكاشفة لصلاحيات السلطة التنفيذية وحماية كافة الاميركيين عبر ضمان مساءلة المرشحين في القضايا الحاسمة – والحصول على اجاباتهم.”

         السلك القضائي لم يشاطر الرئيس اوباما تفسيره ومبرراته المقدمة، وابطلت محكمة الاستئناف الفيدرالية التعيينات المذكورة لاسباب لا تتعلق باستخدام الانعقاد الصوري لجلسات المجلس. واوضحت المحكمة ان آلية رفع الجلسات المشار اليها تمت وفق جلسة رسمية لمجلس الشيوخ، ولا ينطبق عليها تفسير “تعليق الجلسة” المتضمن في الفقرة الدستورية الخاصة بذلك. بل اعرب اغلبية القضاة عن رأيهم بأن المراكز الشاغرة لم تأتِ من وحي فترة العطلة، وعليه لا يجوز ان تُسدْ استنادا الى النص الدستوري المشار اليه.

         المؤشرات الراهنة لتوجهات المحكمة العليا لا تدل على ارتياحها للاصطفاف الى جانب السلطة التنفيذية في تبريراتها، بل اكدت احدى قضاة المحكمة ايلينا كاغان، التي عينها اوباما للمنصب، ان الحل سياسي وليس قضائي، “فالأمر من اختصاص مجلس الشيوخ للبت فيه” عندما ينوي تعليق جلساته، والذي باستطاعته حينئذ التحكم بامكانية اقدام الرئيس او متى سيقدم على تعيينات مماثلة.

         زميل كاغان المحافظ في المحكمة، انتوني سكاليا، هاجم الرئيس اوباما بشدة قائلا ان تعييناته خارج نطاق مجلس الشيوخ “تتناقض تماما مع النص الصريح للدستور،” مضيفا ان ذرائع الادارة “مستندة الى فرضية ضبابية النص وتصب في خدمة مصلحة ذاتية للرئيس.”

مستقبل الرئاسة الاميركية

         لا تخلو اي نصوص دستورية من ثغرات تفرضها دورة التطور الانساني والمجتمعي، ومن الطبيعي ان تسعى اي من السلطات السياسية للنفاذ من خلالها لتعزيز حيز الصلاحية والنفوذ لمصلحتها. وكان المستفيد الاول من ذلك السلطة التنفيذية عبر تاريخ الولايات المتحدة في القرنين الماضيين، على حساب السلطات التشريعية والقضائية المكبلة بقيود نصوص اشد وضوحا. ولا يخشى الرؤساء تجاوز حدود الصلاحيات الممنوحة التي يبررونها لاعتبارات الأمن القومي – الأمر الذي نادرا ما يلقى مساءلة من الكونغرس، وعادة تؤيد السلطة القضائية الذريعة المقدمة في حال تطور المسألة بالتسلسل.

         اما التبريرات الرئاسية المستندة الى صلاحيات دستورية فهي عادة ما تثير الجدل، ومن شأن تعيينات الرئيس اوباما سالفة الذكر تقويض نطاق الصلاحيات الرئاسية على الامد البعيد وتآكل القدرة على المضي بالتعيينات المستقبلية التي لا تحظى باجماع مجلس الشيوخ.

         كثيرا ما يلجأ الرؤساء لاصدار قرارات رئاسية نافذة المفعول، كاحدى الصلاحيات، عوضا عن اللجوء الى التراتبية القضائية لاقرارها. بل ذهب الرئيس اوباما الى ابعد من ذلك وسعى لتعديل نصوص قانونية تمنحه ميزة الاقرار واختيار النصوص التي ينبغي تطبيقها دون غيرها.

         اجراء اوباما اوجد سابقة قانونية “لرفض التعيينات المخلة بالدستور،” وربما حفز السلك القضائي التجرؤ على تقييد حيز الصلاحيات الممنوحة في المدى المنظور. من مفارقات القدر ان سعي السلطة التنفيذية لتنمية وتوسيع نطاق صلاحياتها قد يأتي بنتائج معاكسة تحد منها. في حال اقدمت المحكمة العليا على التلويح بأن السلطة التنفيذية تخطت حدود صلاحياتها الدستورية، فقد ينعش الجدل بروز قضايا اخرى مماثلة للمحكمة العليا البت بها واضعاف صلاحيات الرئيس.

         الامثلة متعددة على تبلور احكام قضائية تحد من سلطات الرئيس، اي كان. احدثها جاء قرار بالاجماع من محكمة الاستئناف الفرعية لواشنطن العاصمة مطلع الاسبوع لابطال مفعول القيود التي تنوي الحكومة الاميركية، عبر هيئة الاتصالات الفيدرالية، فرضها على خدمات شبكة الانترنت – حيادية الشبكة- استنادا الى عدم موافقة الكونغرس عليها. بعبارة اخرى، الحق القرار القضائي ضربة بجهود الرئيس لتقنين خدمات شبكة الانترنت واقصاء بعض الخدمات المقدمة من التداول العام لتطوير الشبكة للعقود المقبلة.

         في خطوة ملفتة للنظر، تقدم ممثلون عن الحزبين في الكونغرس يوم 16 كانون الثاني الجاري بمبادرة مشتركة تؤسس لقرار يحجّم صلاحيات الرئيس لشن الحروب الخارجية واستبدال القانون السابق الصادر عام 1973 ابان الحرب على فييتنام، شارك فيها السيناتور الديموقراطي تيم كين والجمهوري جون ماكين. المبادرة الجديدة ترمي الى الزام الرئيس بالحصول على موافقة مسبقة من الكونغرس  قبل الانخراط في عمل عسكري يستغرق اكثر من 7 ايام – خلافا للصيغة الاولى التي تمنح الرئيس فرصة 60 يوما قابلة للتجديد قبل الذهاب للكونغرس لابلاغه بالعمليات العسكرية الدائرة. يشار الى ان البرلمان البريطاني افشل قرار حكومته بمشاركة الولايات المتحدة وفرنسا شن عدوان على سورية، الامر الذي دفع الرئيس اوباما تعليق جهوده ورغبته في الذهاب للكونغرس للحصول على موافقته آنذاك.

         المبادرة تنص ايضا على ضرورة ابلاغ الرئيس الكونغرس عن عمليات عسكرية سرية جارية في غضون 3 أيام بعد بدء العملية، وتقديمها لتصويت الكونغرس ان استغرقت اكثر من 7 ايام. الرئيس اوباما والرؤساء السابقين من امثاله غير مرتاحين للقيود التي فرضها القانون الاصلي “سلطات الحرب” سيما وانه يقيد صلاحيات الرئاسة في استخدام الخيار العسكري، بينما اعتبره الرأي العام انه يوفر مرونة كبيرة للرئيس للذهاب الى الحرب اينما ومتى شاء.

         قرار المحكمة العليا سلبا بشأن التعيينات الرئاسية قد لا يترك اثارا مغايرة للرئيس اوباما بحكم سيطرة الحزب الديموقراطي على مجلس الشيوخ آنيا. اما ان تعدلت موازين القوى واستلم الجمهوريون رئاسة المجلس الى جانب مجلس النواب، باستطاعة اي ممثل جمهوري عندئذ تعطيل البت في تعيينات قد يقدم عليها الرئيس اوباما وابقاء الأمر معلقا. ولحين عقد وبروز النتائج الانتخابية النهائية، 4 تشرين الثاني المقبل، بامكان الرئيس اوباما الطلب من اولئك الذين فازوا بمصادقة مجلس الشيوخ تقديم استقالتهم، او بعضهم، كي يتمكن من تعيين من يرغب بهم في مكانهم، على ان يعيد الكرة مرة اخرى مع مجلس الشيوخ عند انعقاده بعد نتائج الانتخابات.

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

الموقع: www.thinktanksmonitor.com

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com

تعليقات